البحث العلمي… البوصلة مفقودة!


images

البحث العلمي … البوصلة مفقودة !

م. حسن علي أبو مطير

hmeteir@gmail.com

ترتكز نهضة المجتمعات بشكل أساسي على البحث العلمي و ذلك لما يقدمه من حلول تساهم في حل مشكلات الواقع ، و لا يخفى على أحد حجم الاستثمار الذي يكون  في الدول المتقدمة في الموارد المالية و الطاقات البشرية في سبيل تطوير البحث العلمي ليكون أكثر مواكبة و قدرة على التعامل مع متطلبات الواقع و استشراف المستقبل و الاستفادة من الماضي.

و لا يقتصر الأمر على مجرد الإنفاق المالي على تطوير البحث العلمي و أدواته، بل على تحديد أولويات للبحث العلمي في كل المجالات الحياتية و العلمية، و لا يُعد هذا الاهتمام شيئا من الترف أو زائدا عن الحاجة بل هو من الأساسيات التي ينعكس أثرها بشكل مباشر على تنمية الوضع الاقتصادي للمجتمع و الذي بدوره سينعكس على تعزيز المكانة السياسية و النفوذ بين الدول، و تعتمد درجة الاستجابة للوصول إلى هذا الأثر إلى درجة مصداقية هذه الأولويات و ملامستها للواقع و توفير جميع الإمكانات للعمل عليها.

لا يوجد لدينا أولويات بحثية مكتوبة !

صُدمت عندما قمت بزيارة لأحد أكبر الجامعات في غزة و سألتهم عن أولويات البحث العلمي  لديهم، فأخبروني أنه ليس لديهم أولويات بحثية مكتوبة و موزعة على أقسام الجامعة و معروفة لدى الباحثين مما يساعد في توجيه المشرفين لأبحاث التخرج و رسائل الماجستير في ما يخدم المجتمع بشكل تراكمي يكون له الأثر الملموس مع الوقت.

و ليت الأمر يقف عند هذا الحد، فعندما تعلم أن نسبة ما تخصصه الجامعات في قطاع غزة على البحث العلمي من موازناتها العامة يقترب من 1.8 % و يصل في أحسن أحواله إلى  3 % في حال توفر الدعم الخارجي، و مع ما تمر به الجامعات من أزمات
مالية فإن نسبة ما تنفقه الجامعات فعليا على البحث العلمي تقترب من الصـفر !

ماذا يعني هذا؟! أنه يعني أن الاهتمام بالبحث العلمي هو اهتمام هامشي لم يرقى بعد لمستوى المواكبة و أن يكون رافعة نهوض للمجتمع، و أن جامعاتنا لم تفلح بعد في تحويل الاهتمام بالبحث العلمي إلى “هوس حميد” لبناء المجتمع على أسس علمية صحيحة.

و أن محاولات وضع أولويات للبحث العلمي هي محاولات فردية لم تصل بعد لمستوى الاهتمام الجماعي و الرسمي.

و لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تكون هذه المسئولية مُلقاة على عاتق الجامعات لوحدها، بل يجب أن يكون للمؤسسات الحكومية الرسمية ممثلة في وزارة التخطيط و التعليم دور في وضع أولويات للبحث العلمي لفترة لا تقل عن5-10 سنوات قادمة و أن تسعى لتخصيص موازنات حقيقة تخدم الباحثين و مساعديهم.

أدوار معطلة في خدمة البحث العلمي !

ثقافة المبادرة لحل المشكلات أو على الأقل وضع التصور العملي لحل المشكلات غائبة عند السواد الأعظم من المعول عليهم من حملة الدرجات العليا – وما أكثرهم في مجتمعنا-، و هذا في ظني مرده إلى أسباب كثيرة ليس أقلها أن الباحث لا يريد أن يُجِهد نفسه في عناء التفكير للوصول إلى حل أو حتى محاولة للبحث عما يقرب إلى الحل ، أو انه يتصور أن وضع المشكلات سيجلب له و لغيره مزيدا من التعاطف لتوفير حلول جاهزة قد تخدم و قد لا تخدم واقعا يئن تحت تراكم الأزمات!

إشاعة المعلومات للباحثين !

و من العجيب و الغريب في عصر ثورة المعلومات و انتشارها في العالم و عصر تعتبر فيه المعلومة مصدر قوةً لمن يمتلكها و يُحسن توظيفها  أن تجد من الباحثين من يريد الشروع  في عمل بحثي يحتاج فيه إلى معلومات و مراجع ليسند رأيه و يقوي حجته و يستفيد مما سبق من تجارب الآخرين، فيصطدم بعقبات لا حصر لها منها على سبيل المثال ما يمكن أن نسميه “معلومات سرية” و غالب هذه المعلومات مرتبطة بالمجالات الحيوية كالماء و الطاقة و غيرها، و الغريب أن هذه المعلومات تظل سرية حتى لمن يمتلكها ، فإما أنه لا يعرف قيمة ما يملك من معلومات ، أو أنه يريد أن يظل هو المستأثر الوحيد عليها و هذه خسارة كبيرة و جريمة أكبر بحق المجتمع و مستقبله.

و على الجانب الأخر المتعلق بالوصول للمعلومة فإنك بالكاد تجد مرجعا حديثا في المكتبات العامة أو الجامعية أو اشتراكا في المكتبات العلمية العالمية التي تنشر الأبحاث المحكمة  مما يتيح للباحثين الوصول لها بالمجان كما هو معمول به في الجامعات الأخرى.

ماذا نريد لامتلاك البوصلة ؟!

و حتى نسير على هدى من أمرنا و نتحرك في الاتجاه الصحيح لا بد من امتلك البوصلة لتوجيه البحث العلمي نحو نهضة واقعنا و لتحقيق التنمية الاقتصادية و المكانة السياسية و أن بدا للبعض أن هذا ضربا من الخيال أو من أحلام اليقظة و لكن لا بد من التالي :

1-      على المستوى الرسمي و الحكومي :

–          وضع خطة وطنية للبحث العلمي و أولويات البحث العلمي لمدة لا تقل عن خمس سنوات قادمة على الأقل.

–          تخصيص الدعم المادي و المعنوي للبحث العلمي و الباحثين و إشراكهم في بناء المستقبل و حثهم على المبادرة في تقديم حلول للمشكلات القائمة في مختلف المجالات.

2-      على مستوى الجامعات:

–        توجيه البحث العلمي في الدراسات العليا في الجامعات لتلبية متطلبات التنمية الاقتصادية والاجتماعية

–        أن يتم اعتماد مقترحات رسائل الماجستير و أبحاث التخرج بما ينسجم مع الأولويات الوطنية و يخدمها بشكل مباشر.

–          الاستفادة من التطور التكنولوجي في توفير المراجع و الأبحاث العلمية المحكمة.

–          إنشاء دليل يحتوي على جميع ما تم إنجازه من الأبحاث السابقة في كل مجال من مجالات البحث العلمي.

–           الحرص على أن تكون نتائج الأبحاث العلمية ملموسة و قابلة للتطبيق و أن تمهد الطريق لاستكمال الطريق للباحثين الجدد.

3-      على مستوى القطاع الخاص

–          زيادة المشاركة بين القطاع الخاص و الجامعات و عرض أهم التحديات على الباحثين من أجل العمل على حلها.

4-      على مستوى المجتمع و حتى عامل النظافة:

–          يجب على المجتمع بكل فئاته و حتى عامل النظافة أن يراقب مستوى المعيشة و نظافة الشوارع و المرافق العامة و مستوى دخل اليومي للعامل البسيط فإن كان في ازدياد فهذا يعني أننا امتلكنا البوصلة ، و إلا فإن البوصلة ما تزال ضائعة !

و أن يسأل بكل جرأة و قوة:  ما قيمة كل المتعلمين و أصحاب الشهادات العليا أن لم يمتلكوا بوصلة القيادة و  قوة التأثير في مجتمعاتهم؟!

 

أضف تعليق